سورة يونس - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يونس)


        


{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18)}
{مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ} الأوثان التي هي جماد لا تقدر على نفع ولا ضرّ. وقيل: إن عبدوها لن تنفعهم، وإن تركوا عبادتها لم تضرّهم، ومن حق المعبود أن يكون مثيباً على الطاعة معاقباً على المعصية. وكان أهل الطائف يعبدون اللات، وأهل مكة العزّى ومناة وهبل وأسافاً ونائلة {و} كانوا {يَقُولُونَ هَؤُلاء شفعاؤنا عِندَ الله} وعن النضر بن الحرث: إذا كان يوم القيامة شفعت لي اللات والعزّى {أَتُنَبّئُونَ الله بِمَا لاَ يَعْلَمُ} أتخبرونه بكونكم شفعاء عنده، وهو إنباء بما ليس بالمعلوم لله، وإذا لم يكن معلوماً له وهو العالم الذات المحيط بجميع المعلومات، لم يكن شيئاً لأنّ الشيء ما يعلم به ويخبر عنه، فكان خبراً ليس له مخبر عنه.
فإن قلت: كيف أنبأوا الله بذلك؟ قلت: هو تهكم بهم وبما ادعوه من المحال الذي هو شفاعة الأصنام، وإعلام بأنّ الذي أنبؤا به باطل غير منطوٍ تحت الصحة، فكأنهم يخبرونه بشيء لا يتعلق به علمه كما يخبر الرجل الرجل بما لا يعلمه. وقرئ: {أتنبئون} بالتخفيف. وقوله: {فِى السماوات وَلاَ فِي الأرض} تأكيد لنفيه؛ لأنّ ما لم يوجد فيهما فهو منتف معدوم {تُشْرِكُونَ} قرئ بالتاء والياء وما موصولة أو مصدرية، أي عن الشركاء الذين يشركونهم به أو عن إشراكهم.


{وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19) وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (20)}
{وَمَا كَانَ الناس إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً} حنفاء متفقين على ملة واحدة من غير أن يختلفوا بينهم، وذلك في عهد آدم إلى أن قتل قابيل هابيل. وقيل: بعد الطوفان حين لم يذر الله من الكافرين دياراً {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ} وهوتأخير الحكم بينهم إلى يوم القيامة {لَّقُضِىَ بِيْنَهُمْ} عاجلاً فيما اختلفوا فيه، ولميز المحق من المبطل، وسبق كلمته بالتأخير لحكمة أوجبت أن تكون هذه الدار دار تكليف، وتلك دار ثواب وعقاب. وقالوا: {لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءايَةٌ مّن رَّبّهِ} أرادوا آية من الآيات التي كانوا يقترحونها وكانوا لا يعتدّون بما أنزل عليه من الآيات العظام المتكاثرة التي لم ينزل على أحد من الأنبياء مثلها، وكفى بالقرآن وحده آية باقية على وجه الدهر بديعة غريبة في الآيات، دقيقة المسلك من بين المعجزات، وجعلوا نزولها كلا نزول، وكأنه لم ينزل آية قط، حتى قالوا: {لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءايَةٌ رَبَّهُ}، وذلك لفرط عنادهم وتماديهم في التمرّد وانهماكهم في الغيّ {فَقُلْ إِنَّمَا الغيب للَّهِ} أي هو المختصّ بعلم الغيب المستأثر به لا علم لي ولا لأحد به، يعني أنّ الصارف عن إنزال الآيات المقترحة أمر مغيب لا يعلمه إلاّ هو {فانتظروا} نزول ما اقترحتموه {إِنّى مَعَكُم مّنَ المنتظرين} لما يفعل الله بكم لعنادكم وجحودكم الآيات.


{وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آَيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21)}
سلط الله القحط سبع سنين على أهل مكة حتى كادوا يهلكون، ثم رحمهم بالحيا، فلما رحمهم طفقوا يطعنون في آيات الله ويعادون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكيدونه، و (إذا) الأولى للشرط، والآخرة جوابها وهي للمفاجأة، والمكر: إخفاء الكيد وطيه، من الجارية الممكورة المطوية الخلق. ومعنى {مَسَّتْهُمْ} خالطتهم حتى أحسوا بسوء أثرها فيهم.
فإن قلت: ما وصفهم بسرعة المكر، فكيف صحّ قوله: {أَسْرَعُ مَكْرًا}؟ قلت: بلى دلت على ذلك كلمة المفاجأة، كأنه قال: وإذا رحمناهم من بعد ضراء فاجئوا وقوع المكر منهم، وسارعوا إليه قبل أن يغسلوا رؤوسهم من مسّ الضرّاء، ولم يتلبثوا ريثما يسيغون غصتهم. والمعنى: أنّ الله تعالى دبر عقابكم وهو موقعه بكم قبل أن تدبروا كيف تعملون في إطفاء نور الإسلام {إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ} إعلام بأنّ ما تظنونه خافياً مطوياً لا يخفى على الله، وهو منتقم منكم. وقرئ: {يمكرون}، بالتاء والياء. وقيل: مكرهم قولهم: سقينا بنوء كذا.
وعن أبي هريرة: إنّ الله ليُصَبِّح القوم بالنعمة ويُمَسِّيهم بها، فتصبح طائفة منهم بها كافرين يقولون: مطرنا بنوء كذا.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8